حراك جديد لقضاة مصر في غضون أقل من سبع سنوات. ففي خطوة أصبحت جزءاً مألوفاً من المشهد السياسي المصري في العقود الأخيرة، اندفع عدد كبير من القضاة انطلاقاً من ناديهم المركزي ومن أنديتهم الفرعية وأيضاً من الجمعيات العمومية للمحاكم للتعبير عن اعتراضهم الشديد على مقررات الرئيس المصري محمد مرسي، وبشكل خاص ازاء اعلانه الدستوري المكمل الصادر في 21 نوفمبر 2012. وكان الإعلان قد آل باسم الثورة إلى المس بالوظيفة القضائية في معظم مواده: فإلى جانب إقالة النائب العام وتحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية أزاء الدعاوى القضائية الهادفة إلى إبطالهما، جعل إعلان القرارات الرئاسية نهائية وبمنأى عن أي طعن.
ولم يكتف القضاة بالتعبير عن رفضهم لهذه القرارات من خلال بياناتهم أو إطلالاتهم الإعلامية العامة، إنما لجأوا أيضاً إلى وسائل أخرى كالاعتصام وتعليق العمل في المحاكم، مصرين على توسيع هامش تحركاتهم وتنويع أشكالها بما يتجاوز قواعد العمل القضائي التقليدية، تماماً كما فعلوا عام 2005. إلا أن مجموعة من المفارقات ميزت هذا المشهد القضائي السياسي المتكرر. فصورة الحاكم المستبد التي لطالما تحرك القضاة ضدها (إن كان قبل "مذبحتهم" على يد جمال عبد الناصر عام 1969، أو على خلفية تزوير الانتخابات النيابية عام 2005[1])، ضعضعتها الثورة عبر انتخابات رئاسية أشرف القضاة عليها بأنفسهم وندر التشكيك بنزاهتها أو حسن سيرها. فها هم يتحركون إذاً ضد رئيس منتخب ديمقراطياً وتحت إشرافهم الكامل والشامل.
والمفارقة الثانية تكمن في تواجد أبرز القيادات القضائية الاستقلالية التي اشتهرت عام 2005 وما قبل في معارضتها الشرسة قضائياً للنظام السابق، في قلب منظومة الحكم الجديدة. ويكفي في هذا الصدد ذكر أسماء المستشار محمود مكي الذي أصبح نائباً لرئيس الجمهورية، والمستشار حسام الغرياني الذي ترأس اللجنة المكلفة بإعداد الدستور، والمستشار أحمد مكي الذي تولى وزارة العدل، لتحسس مدى التصاق قيادات تيار الاستقلال 2005 ببنية الحكم الجديد الذي بات هدفاً للحراك القضائي في حلته الجديدة. ومن هذا المنطلق، بات رموز تيار استقلال القضاء أمس (ما قبل الثورة) متهمين بالمشاركة في النيل من استقلال القضاة اليوم في نظام ما بعد الثورة. أما المفارقة الثالثة والأخيرة، فتتمثل في قيادة المستشار أحمد الزند رئيس نادي قضاة مصر لهذا التحرك القضائي المعارض. وكان الزند قد عرف كأحد أبرز خصوم التيار الاستقلالي عام 2005، وهو الذي نجح في قهر هذا التيار في انتخابات النادي عام 2009 إيذاناً بتراجع مطالبه باستقلالية القضاء إلى حد التلاشي. كما عرف عنه أنه تصدى مراراً لمشاركة القضاة في الثورة عام 2011.
وعلى خلفية هذه المفارقات، برزت مؤخراً محاولات عدة لتفسير هذا المشهد القضائي اللافت، ارتكز بعضها على الطابع الإصلاحي المحافظ لقادة تيار الاستقلال السابقين مما دفعهم إلى أحضان السلطة الجديدة[2]، فيما رأت الكثير من التعليقات في جموع القضاة فلولاً للنظام السابق على نحو يتجاهل تعدد التيارات القضائية داخل القضاء المصري وتاريخه (والصيغة العلمية لهذه النظرة نجدها في مصطلح "الدولة العميقة" التي يرمى القضاة في صفوفها دفعة واحدة لتسهيل العملية التحليلية)، فيما اعتمدت بعض الآراء الأخرى على قراءات سياسية للتحركات القضائية، عبر التركيز على التوجهات الإسلامية لقيادات تحرك 2005 لفهم معاداتهم لنظام مبارك في موازاة التصاقهم بسلطة الإخوان المسلمين الجديدة. ولا شك أن في هذه القراءات شيء من الصحة، إلا أن معظمها يعاني برأينا من نقطتي ضعف. فهي تتناسى تماماً أن أول ما يثير التساؤل هو القدرة الفائقة والفريدة للقضاة المصريين على التحرك جماعياً: فأهم من السؤال عن أسباب التحرك (معاداة التيارات الإسلامية، أو التمسك بالاستقلالية، إلخ)، علينا أن نتساءل عن أسباب القدرة على التحرك بهذه الطريقة الفعالة على خلاف الكثير من الأجسام القضائية في العالم العربي[3]. فمعارضة نظام حكم أو الدفاع عن استقلالية القضاء لا تنتج دائماً تحركات قضائية جماعية تتحد فيها غالبية القضاة خلف أهداف واضحة، وقد رأينا ذلك في تونس 2005 مثلاً حيث أخذت المعارضة القضائية إجمالاً طابع البطولات الفردية. أما نقطة الضعف الثانية في القراءات المشار إليها أعلاه، فهي تكمن في تغليب العوامل السياسية على العوامل المهنية (القضاة ضد الثورة، القضاة ضد التيارات الإسلامية)، أو العكس (القضاة يدافعون عن استقلالهم)، بحيث تبقى عاجزة عن الجمع فيما بين هذه العوامل، فيظهر القضاة من خلالها إما كفاعلين سياسيين فقط وإما كمهنيين متمسكين باستقلاليتهم فقط. وسنحاول فيما بعد التصدي بداية للثغرة الأولى عبر إبراز العوامل البنيوية غير الظرفية التي تجعل القضاء المصري ساحة فريدة ممكنة للتحركات الجماعية، قبل أن نقترح في مرحلة ثانية قراءة التحركات القضائية الأخيرة عام 2012 عبر مفهوم الوظيفة القضائية الذي يسمح بتخطي القراءات السياسية المحدودة والمجتزأة.[4]
. النوادي والجمعيات العمومية للمحاكم: بحثاً عن أسباب بنيوية للحراك القضائي
برزت على مدى العقود الماضية ميزات عدة في الخطاب القضائي المصري من شأنها تفسير قدرة القضاة الحالية على التحرك جماعياً لا بل ميلهم إلى ذلك. فخطط الاصلاح القضائي بالنسبة للقضاة الاستقلاليين لم تقتصر يوماً على تعزيز الضمانات الفردية للقضاة، أو على تعزيز استقلالية المجلس الأعلى للقضاء كما هي الحال في معظم دول المنطقة، انما أولت دوماً وبالدرجة الأولى اهتماماً كبيراً لمجمع القضاة ولتعزيز التواصل والعمل المشترك والتضامن والمساواة فيما بينهم. وهذا التوجه يتأتى عن قناعة مجموعات وأجيال كاملة من القضاة المصريين بأن الضمانات القانونية مهما تم تطويرها، تبقى قاصرة في غياب قوة فعلية على الأرض – وعلاقات قوى واقعية متوازنة - عن مجابهة توغل السلطة التنفيذية في أعمال القضاء، وعن الدفاع عن مصالح القضاة متى هددت. وهذا التوجه يظهر جلياً من خلال ميزات أساسية ثلاث قلما نجد لها مثيلاً في المشاريع الاصلاحية القضائية في الدول الأخرى.
الميزة الأولى، تتمثل بهاجس إيلاء نادي القضاة الموحد مكانة مميزة في التنظيم القضائي الرسمي.
وقد برز هذا المطلب منذ مشروع قانون 1991 الذي صادقت عليه الجمعية العمومية لنادي قضاة مصر، بحيث تمت اضافة باب خاص تحت عنوان "في نادي القضاة". وقد تمت استعادة هذا الباب في مشروع قانون 2005 الذي صادقت عليه الجمعية نفسها، وكذلك الأمر في مشروع قانون 2011- 2012 الذي وضعته لجنة معينة من رئيس مجلس القضاء الأعلى آنذاك حسام الغرياني الذي كان أحد أبرز القياديين لحراك 2005 كما سبقت الاشارة اليه. وقد بدت رؤية القضاة للنادي كجزء أساسي من هويتهم ومن هوية السلطة القضائية وكإطار قانوني يوحدهم ويعزز استقلاليتهم واضحة في متن المشروع، الذي أعفى مثلاً النادي من مجمل القيود المتصلة بالنوادي والجمعيات والمؤسسات العامة، في اتجاه عتقه من أي رقابة من قبل السلطة التنفيذية. فكيف يكون للنادي أن يجابه هذه السلطة إذا كان خاضعاً لإشرافها؟ لا بل أن القضاة الاستقلاليين في مصر ذهبوا حتى إلى رفض وصاية مجلس القضاء الأعلى على هذا النادي الذي لا بد أن يكون على صورة أعضائه مستقلاً، وبمنأى عن أي تدخل. ومن هذا المنطلق نفسه، آلت مشاريع القوانين المذكورة إلى عتق النادي من تحكم السلطة التنفيذية بموارده فضمنت مصادر تمويله "المبالغ التي تخصص له من موازنة السلطة القضائية". وفيما أن المذكرات الايضاحية لهذه المشاريع قد أسندت حق التجمع إلى مواثيق الأمم المتحدة، فانها آلت دوماً الى تأسيس هذا الحق على ضرورة تجميع القضاة في إطار واحد (أو "توحيدهم") بما يستبعد احتمالات التعددية. وهذا ما نقرؤه من خلال منع انشاء أي ناد أو جمعية أو رابطة لـ"رجال القضاة أو النيابة العامة" من دون موافقة مجلس ادارة النادي، في موقف يقيد حرية تجمع القضاة المصريين عبر حق الانتساب إلى النادي دون سواه. لا بل أن الخطاب العام ذهب الى تكييف هذا الحق على أنه واجب[5]، هو واجب القضاة في أن تكون لهم جمعيتهم الخاصة لرعاية شؤونهم والنهوض بتكوينهم والدفاع عن استقلالهم. فكما هو مستغرب أن يترك للسلطة التنفيذية إمكانية الاشراف على النادي أو التحكم به، فإنه من المستغرب أيضاً بنظر القضاة الاستقلاليين المصريين أن تتم شرذمة القضاة بين أجسام تمثيلية عدة على نحو يضعفهم ويغرقهم في التنافس ويجعل تالياً هياكلهم عاجزة عن مجابهة السلطات الأخرى التي لها ألف وسيلة ووسيلة. والواقع أن خطاب الوحدة القضائية وأهميتها لجبه السلطة التنفيذية يجد جذوراً هامة في خطابات عدد من أبرز القضاة من ذوي المواقع القيادية في مصر. فالدواء الناجع وفق المرجع القانوني عبد الرزاق السنهوري (1895-1971) إزاء تغول السلطة التنفيذية في السلطة التشريعية وتحيفها للسلطة القضائية وانتقاصها من استقلالها هو "تقوية السلطة القضائية"، وهو أمر يفترض "سلطة قضائية موحدة" إذ "بمقدار وحدة القضاء وامتداد سلطانه، يكون الاستقلال".[6] وهذا ما يتم من خلال إجراءات عدة أبرزها مأسسة التفاعل والتضامن بين القضاة في الجمعيات العمومية للنادي المركزي أو في النوادي الفرعية في المناطق. وأظهرالقضاة بهذا المعنى فهماً أكبر للبعد السياسي للعمل القضائي: فالقوانين وحدها لا تحمي القضاة، بل تحميهم قدرتهم على توحيد مواقفهم وعلى إطلاق تحركات وازنة في مواجهة القوة الحاكمة كلما استدعت الحاجة ذلك.
أما الميزة الثانية، فهي تتمثل في المطلب الآيل إلى تفعيل الجمعيات العمومية للقضاة داخل المحاكم.
وهو مطلب ثابت أيضاً منذ 1991 ومفاده "تقليص السلطات الإدارية لرئيس المحكمة وحصرها في الجمعية العمومية للمحكمة، على نحو يحد من وسائل الضغط الهرمي داخل القضاء[7]"، والذي غالباً ما يتجلى في توزيع الأعمال وتحديداً في اختيار قاض بعينه للنظر في قضية بعينها. وفي السياق نفسه، طالب نادي القضاة في مجمل مشاريعه بتعديل القانون في اتجاه منع الجمعيات العمومية من تفويض صلاحياتها لرؤساء المحاكم حفاظاً على التواصل داخل هذه الجمعيات في موازاة تفادي إساءة استعمال السلطة. ولم يظهر القضاة المصريون تمسكاً بأهمية الطابع الجماعي لقرارات القضاة فحسب، بل أيضاً اعتقادهم بواجب القضاة في المشاركة في هذه الجمعيات كما في النادي من منطلق أنها مسؤولية ليس لهم لا التخلي عنها ولا تفويضها.
أما الميزة الثالثة فتكمن في هاجس المساواة بين القضاة:
فسرعان ما يلحظ المراقب هاجساً للقضاة المصريين بشأن أعمال مبدأ المساواة فيما بينهم ولاسيما في المناصب التي قد يتولونها أو المكاسب على اختلافها التي قد ينالونها، بالطبع مع مراعاة مبدأي الكفاءة والأقدمية. وبذلك، وبخلاف المبادئ الإصلاحية المكرسة في الأمم المتحدة والتي هدفت إلى فرض الحد الأدنى من الضمانات للقاضي، بدا القضاة المصريون وكأنهم يعملون في الوقت نفسه على تكريس الحدين الأدنى والأقصى لهذه الضمانات حفاظاً على التضامن ووحدة الصف التي هي الضمانة الأولى لقوة القضاة واستقلاليتهم. ومن هذا المنطلق، سعى القضاة المصريون إلى تجريد السلطات المختصة من إمكانية إعطاء امتيازات لقاض دون سواه، وذلك من خلال مجموعة من المطالب أهمها المطالب المتصلة بالندب والإعارة والتقاعد.
وتبعاً لذلك، يظهر أمامنا مثلث أساسي تنبني عليه قدرة قضاة مصرعلى المواجهة: النادي الموحد القوي، الجمعيات العمومية كاملة الصلاحيات، والمساواة بين القضاة. ويشكل هذا المثلث المحرك الرئيسي الذي يسمح للقضاة المصريين بالتحرك بهذا الزخم كلما بدت مصالحهم المعنوية أو المادية بخطر، إن كان عام 2005 أو عام 2012، وبشكل لا نرى له مثيلاً في أي من دول المنطقة. وانطلاقاً من هذه القاعدة الحراكية المتطورة، ما هو موقع تحرك 2012 في تاريخ التحركات القضائية المصرية؟
أبعد من السياسة: تحولات الوظيفة القضائية في مصر
بالطبع، أول ما يلفت النظرعند مقارنة تحرك قضاة 2005 بتحرك 2012، هو التناقض الكبير بين مواقع قيادات التحركين السياسية (مكي-غرياني/ الزند)، وأيضاً التناقض السياسي الظاهر بين أهداف هذين التحركين. إلا أن تبدل القيادات السياسية لا يسمح لنا بتفسير الأحداث الأخيرة بشكل كامل. فمهما بلغ حجم هذه التناقضات ومعها اختلاف طبيعة الأهداف المعلنة في الحراكين وما يتخللها من اختلاف في فهم الوظيفة القضائية، يبقى أن المجموعات الفاعلة داخل القضاء المصري تحركت باتجاه تعزيز دور القضاء سياسياً واجتماعياً بما يتناسب مع كلا المرحلتين. فقد حصل حراك 2005 على خلفية انتشار تزوير الانتخابات التي كان القضاء قد تولى بنفسه مهمة الاشراف عليها؛ فتمثل الحراك في رفض القضاة أن يتم استخدامهم لإضفاء مشروعية على انتخابات مزورة مما يجعلهم بمثابة شهود زور؛ وقد آل بالدرجة الأولى إلى تقويض مشروعية السلطة القائمة آنذاك باسم مبادئ النظام الديمقراطي التمثيلي وقواعد عمله. وكان من الطبيعي آنذاك أن يلاقي هذا الحراك تجاوباً من قبل مجمل القضاة المتمسكين بتعزيز مكانة القضاء سياسياً واجتماعياً، بقدر ما يلاقي تجاوباً من قبل القضاة من ذوي التوجهات السياسية المناوئة للنظام السائد آنذاك، سواء كانوا استقلاليين أم لا، وعلى رأسهم القضاة المقربين من جماعة الإخوان المسلمين بصفتها القوة السياسية الأكثر قدرة آنذاك على انتزاع حصة نيابية كبيرة فيما لو جرت انتخابات نزيهة.
أما الحراك القضائي الحاصل في 2012 فقد حصل اعتراضاً على خطوات هذه القوى الاسلامية بالذات بعدما حازت فعلً على الصفة التمثيلية بموجب عملية انتخابات نزيهة إلى حد ما بعد الثورة، أقله في الانتخابات الرئاسية، وذلك تصدياً لما عده القضاة انتقاصاً فادحاً من دورهم الرقابي على أعمال السلطات الحاكمة، وبوجه خاص من دور المحكمة الدستورية بهذا الشأن. وتالياً، آل هذا التحرك ليس فقط إلى ضمان دور القضاء كحام للنظام الديمقراطي التمثيلي ولحق الغالبية بتولي مقاليد الحكم كما في 2005 إنما إلى ضمان دور القضاء كرقيب على سير أعمال هذا النظام وضابط عليه وتالياً إلى ضمان حقوق المواطنين كافة بالتمتع بحقوق أساسية أو حريات عامة، مهما كان وزنهم الانتخابي، في مواجهة أي تسلط من قبل الغالبية أو هيمنة من قبلها. ومن الطبيعي هنا أيضاً أن يلقى هذا التوجه قبولاً لدى عدد كبير من القضاة المتمسكين بتعزيز دور القضاء سياسياً واجتماعياً وإن جاء هذا الحراك هنا أيضاً منسجماً مع مصالح القوى السياسية المناوئة للغالبية الجديدة لسبب أو لآخر (فلول نظام قديم أو قوى ليبرالية، إلخ.)، والتي تقودها مصالحها إلى دعم مجمل الآليات التي من شأنها الحد من سلطة هذه الغالبية، وعلى رأسها الدستور والقضاء واستقلالية النيابة العامة عن السلطة التنفيذية (وهو مطلب جديد نسبياً).
وتبعاً لذلك، وبعدما شكل حراك 2005 انعكاساً لوظيفة قضائية تهدف إلى اعطاء القضاء إمكانيات حقيقية لضمان قواعد اللعبة السياسية المتمثلة في الانتخابات النيابية عبر ضمان الإشراف الفعلي عليها (حسن تطبيق شروط الديمقراطية التمثيلية)، عكس حراك 2012 وظيفة قضائية لا تهدف فقط إلى ضمان قواعد اللعبة بل إلى التأثير فيها مباشرة عبر التمسك بحق القضاء بمراقبة أعمال السلطة التشريعية والتنفيذية وتقييد صلاحياتها كما سبق بيانه فضلاً عن عتق النيابة العامة من هذه الأخيرة. فيتبدل حكام مصر وتوجهاتهم السياسية، وتتبدل القيادات القضائية وميولها السياسية، إلا أنه على قارئ الوضع القضائي المصري ألا يتوقف عند تناقضات الانتماءات السياسة. فالتطور الملفت هو على صعيد الوظيفة القضائية التي تتكون في مكان آخر، والتي تظهر القضاة المصريين بغالبيتهم يطورون كمجموعة تصوراتهم لوظيفتهم ومعها قدرتهم على التحرك الميداني باتجاه دور أكثر تفصيلاً وأكثر طموحاً في إدارة الحياة السياسية المصرية لا بل إدارة السياسات العامة الناتجة عن هذه الحياة السياسية، بغض النظر عن مفاعيل هذا التطور على الديمقراطية المصرية الفتية التي قد يختلف فاعلوها بشأن الدور المناسب لقضاة غير منتخبين فيها.
[ نشر للمرة الأولى في العدد السابع من " المفكرة القانونية" وجدلية تعيد نشره بالإتفاق مع المجلة.]
هوامش:
[1] أنظر : غمرون س.، "عندما يصبح تسييس القضاء ضمانة لاستقلاله: أفكار حول التجربة المصرية (1967-2012)"، المفكرة القانونية، العدد الخامس، تموز 2012.
[2] أنظر مثلا : ٍSaid A., « A new judicial moment in Egypt », Jadaliyya, published on December 25, 2012
[3] لا شك أن عاطف سعيد تطرق لهذه المسألة في أعماله عبر تركيزه على طبيعة وعمل نادي القضاة في مصر. أنظر المرجع السابق.
[4] يرتكز هذا المقال بمعظمه على التقرير البحثي الذي أنتجه الكاتبان من ضمن أعمال "المفكرة القانونية" حول التحركات القضائية المقارنة في تونس ومصر في الماضي الاستبدادي والفترة الانتقالية الحالية.
[5] وردت هذه العبارة في المذكرة الايضاحية للمشروع الذي صادقت عليه الجمعية العمومية في نادي قضاة مصر عام 1991.
[6] أعيد التذكير بهذه العبارة في المذكرة الايضاحية لمشروع قانون تعديل قانون السلطة القضائية في 2012.
[7] المذكرة الايضاحية لمشروع قانون تعديل قانون السلطة القضائية في 2012.